تراث يمنيمنوعات

عن صنعاء وعبق تراثها

نورية محمد حميد السعواني
يتميز الشعب اليمني بمحافظته على العادات و التقاليد في المناسبات الاجتماعية كالولادة و الزواج والوفاة والذي يخالف ما مضى علية الآباء والأجداد لا يحظى بالاحترام اللازم و إنما ينظر إلية على انه ناقص أو معيب لذلك.. ورغم ذلك فأننا نجد أن بعض الأشخاص المغامرين يحاولون كسر حاجز هذه العادات و التقاليد ، وهم قلة .
و تتفرد كل محافظة يمنية بخصوصية عاداتها و تقاليدها ،وعلى سبيل المثال العرس الصنعاني مغاير تماما لعرس الحديدي أو المهري و يعود الاختلاف بين المحافظات اليمنية في العادات والتقاليد إلى عوامل طبيعية متعلقة بالمناخ و التضاريس و عوامل اجتماعية تنطوي على ثقافة محلية تكونت عبر الأجيال المتعاقبة ..، وعلى الرغم من التمسك القوي بكل ما هو موروث عن الآباء و الأجداد إلا أن التطوير والتغيير يحدث في بعض الأجزاء والتي لا تتناسب مع العصر الحالي و خاصة من قبل الشباب الذي أصبح أكثر تعليما و ثقافة وانفتاح على العالم و دائما لايستمر و يدوم أي تحديث و تطوير إلا ما كان متكيف مع البيئة و متلائم مع ثقافة المجتمع .

و يولي المجتمع اليمني اهتماما بالمناسبات التي تجمع الناس وتحمل بين طياتها قيمة دينية و إنسانية مثل التعاضد والتكافل و التراحم لذلك لا يستغرب وجود علاقة اجتماعية متينة بين افرادة و هذا ما سوف نتعرف علية من خلال استعرضنا لبعض العادات و التقاليد و التي تمارس في المناسبات الاجتماعية0

مناسبة الزواج في مدينة صنعاء :-

تطول فترة الاستعداد و التحضير للإعراس في صنعاء كما أن العرس نفسه قد يتجاوز اقامتة الأسبوع إذا توزع مراسيمه على سبعية أيام وخاصة بالنسبة لنساء اللاتي لهن مسميات لكل يوم من أيام العرس الصنعاني .

السبت و يسمى بيوم الذابل وفية تجتمع نساء العائلة في بيت العريس و العروس كلا على حده و يقمن بتجهيز المشاجب وهي عبارة عن مزاهر نحاسية توضع فيها الرياحين و الورود وتثبت عليها الشموع وتجلب الشمعدانات الكبيرة و تثبت عليها الشموع ويوضع البيض الملون والمرسوم علية في قاع هذه الشمعدانات ، وتعمل النساء على تحضير كميات كبيرة من الكعك المتنوع والذي سيقدم لضيوف وفي هذا اليوم تنطلق أول الزغاريد المعلنة عن بداية العرس .

الأحد و يسمى بيوم الحمام أو الغسل وفية تذهب العروس من الصباح الباكر مع صديقاتها إلى حمام بخاري خاص بالنساء ذو درجة عالية من الحرارة القادرة على إزالة الجلد الميت وتصفية البشرة و عند الظهيرة تزف العروس من الحمام إلى بيت أهلها بالألعاب النارية و عند مدخل البيت تقوم المغنية يزفها بالطبل والأغاني الشعبية إلى أن تصل للغرفة التي تنتظرها فيها النساء ويتم ذلك وسط استقبال حافل و زغاريد متصاعدة و نفحات من البخور العدني والعود الهندي و في هذا اليوم ترتدي العروس الملابس اليمنية التقليدية و تتزين بالمرجان والعقيق والفضة العتيقة

الاثنين ويعرف بيوم النقش وفيه يتم نقش أيدي وأرجل العروس وأجزاء من جسمها مثل منطقتي الصدر والظهر برسوم جميلة وبديعة وذلك بمادة سوداء قابلة للإزالة تسمى في صنعاء الخضاب أو يستخدم الحناء الحرازي بدلا عنه وتتفنن المنقشة في ابتداع أخر صيحات النقش وتقوم مساعدتها بنقش نساء العائلة كلا حسب رغبتها في نوع النقش الذي تريد .

الثلاثاء ويسمى يوم الذهب أو الخمار وذلك نسبة إلى ما ترتديه العروس في هذا اليوم والذي يقام إما في البيت أو قاعة أعراس وفيه تلبس العروس احد الأثواب الغالية الكثيرة التطريز و الحواشي المذهبة و تفصل مثل ثوب الزفاف الأبيض ولكن بألوان مخالفة للأبيض تماما و يوضع على رأس العروس طرحة من نفس نوع قماش الثوب و يغطى وجهها ببرقع من الذهب أو الكريستال و توضع المجوهرات الذهبية على عنقها و خصرها وأيديها ويستغرق إعداد العروس وتجهيزها وقت و اللاتي يقمن بذلك نساء متخصصات في تجهيز العرائس و يحترفنها مهنة وفي يوم الذهب ترتفع أصوات الموسيقى و الأغاني المؤداة من قبل الفرق الموسيقية النسائية .

الأربعاء ويسمى يوم الأبيض أو يوم القاعة وفي هذا اليوم ترتدي العروس الفستان الأبيض ويقام الاحتفال في قاعة خاصة بالأعراس وهذا اليوم من حيث مراسيمه لا يختلف كثيرا عن الأعراس التي تقام في الدول العربية إلا فيما يخص الاختلاط مابين النساء و الرجال فهذا غير مسموح به إطلاقا في العرس الصنعاني .

الخميس وهو يوم زفة العروس من بيت أهلها إلى بيت عريسها و فيه تجهز العروس بشكل عصري جدا من حيث اختيار تصميم الفستان و نوع تسريحة الشعر و المكياج وفي هذا اليوم تقيم أسرة العروس وليمة غداء تدعو إليها الأقارب والمعارف و الجيران و بحلول منتصف الليل تزف العروس إلى بيت عريسها وسط جمع كبير من رجال العائلة و الأقارب من الأعمام و الأخوال وتسمع أصوات الموسيقى وأبواق السيارات الحاملة للعروس من مسافات بعيدة .

وهذا كان العرس الصنعاني النسوي إما العرس الرجالي يمكن القول عنة بأنة مختصر نوعا ما مقارنة بالنسوي فهو يبدأ من يوم الأربعاء وينتهي يوم الجمعة ففي يوم الأربعاء يذهب العريس في جمعا من الأهل والأصدقاء المقربين إلى احد الحمامات وعند الظهيرة تقام الولائم العامرة لكل من حضر و جاء مباركا و مهنا بالمناسبة السعيدة بعدها يتوجة العريس مع ضيوفه إلى مكان الاحتفال وذلك بزفة برقصة البرع الشعبية و يحتفي به بالأناشيد التي يكون ذكر الله أساسها لتكون حرزا يحفظه من العين وتوفيقا له لبداية حياته الجديدة وفي المساء تضيء الشوارع بالقناديل المعلقة على جدران المنازل وشوارعه المحيطة به لتضيء بالمحتفلين الذين تتمايل أجسادهم مع إيقاع المزمار و الأغاني الصنعانية ويستمر الاحتفال حتى ساعات الصباح الأولى .

ويأتي يوم الخميس الذي يكون هو الأساس وتقام فيه الولائم ويرتدي فيه العريس الزي التقليدي المكون من الثوب الأبيض والجنبية المعكوفة والدجلة والعمامة و الصماطة (غطاء للرأس ) وحاملا في يده السيف اليماني وموضوعا على رأسه أكليل من الرياحين والورود و في المساء يلتف حوله كل المحبين من الأهل و الضيوف ويزف إلى عروسه من مكان الاحتفال إلى بيته على صوت المنشد المتعالي عبر مكبرات الصوت وزغاريد النسوة المشاهدات لعرس من النوافذ وأسطح المنازل المجاورة و يتسارع الأصدقاء على الدوران حول العريس مرددين ما يقوله المنشد و رافعين أصواتهم في حقك ياعريس حقك .0حقك ياحري .. الخ .

مناسبة الولاد أو ما يسمى بوضع الحمل (الولادة) في مدينة صنعاء :-

تحتفل الأسرة الصنعانية بمجئى أي مولود جديد بمجموعة من العادات القديمة و الجديدة ويستمر هذا الاحتفال ما يقارب الأربعين يوما و على مرحلتين وبالذات من جانب النساء .

المرحلة الأولى وتبدأ من أول يوم تضع فيه المرأة مولودها إذا يفتح منزلها لاستقبال الزائرات اللاتي باتين لتهنئة و المباركة والاطمئنان على صحة الأم وهن ملزمات أدبيا باعطها ما يعرف بفرحة الوالدة والتي قد تكون نقود أو ملابس لطفل ويقتصر الحضور في هذه المرحلة و التي تستمر 15يوما على المقربات وتقضي التقاليد على أن تكون نصف تكاليف الولادة على أهل المرأة الوالدة والنصف الأخر على زوجها المولود له الطفل وتخلو هذه المرحلة من مظاهر البهرجة لان الأم ماتزال مريضة و مجهدة وخوفا على الأم من العين و الحسد ويكون استقبال الزائرات في غرفة بسيطة تكون هي راقدة فيها ويجب أن يقدم لهن قهوة قشر البن اليمني .

المرحلة الثانية و تبدأ من دخول الوالدة إلى مكان الولادة في زفة دينية تحييها احد المنشدات ويجب أن تكون الوالدة مرتدية لزي تقليدي يسمى عصبة توضع على رأسها و يجب أن تجلس في مكان مرتفع قليلا عن بقية النساء في مرتبة الوالدة وكأنها ملكة متوجة وان تعلق خلفها على الجدار سجاجيد وآيات قرآنية لحفظها وتحمل في يدها مسبحة لتذكر الله لأنها لا تشارك في الحديث الذي يدور بين النساء الحاضرات ويعتبر انتقال الوالدة ودخولها مكان الولادة بمثابة إعلان رسمي عن الولادة ودعوة عامة لنساء و تقوم الأخوات و الخالات والعمات بأظهر الفخر والاعتزاز بابنتهم وذلك بالاحتفال بها و دعوة من يعرفن من النساء على هذه المناسبة على أن يحضرن ما يلزم من قهوة وكعك وعصائر وغيره
وتعرف هذه المرحلة بتفرطة النساء اللاتي يستمررن بزيارتهن المتكررة عصر كل يوم إلى أن يتم إعلان الوفاء و الانتهاء الرسمي من الولادة وفي خروج مهيب للوالدة و ذلك بزفها مثل العروس و نتيجة لان هذه المناسبة تتكلف وقت طويل و أعباء مالية أضافية لذا فليس من المستغرب أن نسمع البعض يردد المثل القائل ثلاث زواجات ولا ولادة 0

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com