شاهدقلم لايساوم

طيف الشهيد.

كتبت عفاف محمد

 

في نهار حار مشمس من ايام  رمضان المبارك يطرق الباب ابو هاشم ويده الأخرى تحمل اغراض جلبها للعشاء ….

.فتحت له ام هاشم فناولها تلك الأغراض و مرق من الباب بجسده المنهك قائلا لها :ساغفو قليلا ريثما تحين صلاة العصر ايقضيني ساعتها…

 

في المطبخ والأغراض متناثرة على سطح المائدة ..قامت ام هاشم بصب المهلبية في قدورها واتقنت تغطيتها فمرض الكوليرا بات جاثوم يجعلها تحترز في هكذا امور ووضعتها امام النافذة التي تهب منها رياح باردة مع انعدام وجود كهرباء كافية للثلاجة…

 

انزوت ام هاشم في احدى زويا المطبخ و صارت دموعها  تتساقط بعزارة فعجزت عن فعل اي شيء …

فكيف بها تنسى ابنها هاشم الذي خلا مكانه في البيت فهاهو يمر رمضان الثاني في غيابه …

هي فخورة بأن ابنها شهيد قضى نحبه في ساحات الشرف حيث هي الأنفس الراقية والتي باسلت بعنفوان وبكل طواعية من تلقاء نفسها لم تهاب الطوائر ولا العدو السافر بكل اسلحته بل ذهبت للخلاء حيث لا زاد ولا دواء وعاصرت ما عاصرت من ألم الفرقة ومكابدة عناء التضاريس الوعرة وصرصر الريح وصقيع البرد ولفحة الشمس و وحشة الخلاء …

ولم تأبه لهذا كله بل انهم مزمجرين كأسود ضارية …فتسالت في جوفها لو كان موجود لكان مبتسم المحيا كالعادة ولكان يمازحني ويضفي على البيت جو حميم فكيف لي ان انسى وجهه الطليق ….

اذا بصوت ابنتها زوجة الشهيد فارس يقطع حبل افكارها قائلة لها حسبك يا امي دموع انتي انسانة مؤمنة قوية اعلم ان دموعك الغالية علينا تذرف من اجل اخي هاشم الذي لم ولن ننساه لكن يا أمي هذه خيرة الله وانها لمرتبة جليلة لطالما تمناها هؤلاء المحاربون الأبطال  وزوجي فصعدت ارواحهم لله وعانقت صفحة السماء …

هم يا أمي قد باعوا انفسهم في تجارة رابحة مع الله فكيف بكي تحزنين لطالما علمني بطلي وابو ابني  فارس شهيد الحق  ان اصمد امام كل العثرات وان اكون قوية إن  هو استشهد وان لا اندب او انوح بل شد على يدي معنفا إياي بأن لا يتفاقم حزني ونبهني الى ان اسير على نفس النهج في المسيرة القرآنية واقدم كلما بمقدوري من انفاق وعلم و تعليم وكذا اكد عليا بأن اربي صغيري احمد تربية جهادية صحيحة وينتهج النهج القرآني السليم الذي لا اعوجاج فيه …

انا يا امي بقدر صغر سني تعلمت الكثير من فارس وافتخر كوني زوجة شهيد فهي مرتبة يحلم بها المجاهدين الأشاوس لما فيها من فضل و علو …

فلا تحزني يا امي وكوني كما عهدتك جسورة قوية …

كففت الأم دموعها و هي تغبط ابنتها على حنكتها وصبرها قائلة لها احمد الله واشكره هاشم فقدانه جرح عميق ينخر جسدي لكن ما يهون عليا انه حي عند الله فرح بما أتاه فقط افتقده… ويباغتني طيفه  تارات فيحز في نفسي لو كان موجود بيننا …

قالت لها زوجة الشهيد فارس تأملي يا امي عظمة المجاهدين وبالأخص في هذا الشهر الكريم

وهم في القفار تجهل امهاتهم اكانوا على قيد الحياة ام قد آسروا ام جرحوا هل هم جياع ام عطاشى هل اجسادهم الطاهرة الشريفة سليمة من آفات الأمراض والحشرات ام لا

هل نسيتي يا أمي كيف كان يعود هاشم من الجبهة هزيل متقرح الجروح بشرته داكنة السواد؟!

الآن هو في جنان الخلد ..كان الله في عون كل ام تعاني ألم الفرقة والقلق والتوجس على ابنها وعلى كل زوجة واخت واخ يجهلون مصير مجاهدهم العظيم لكم هم يا أمي عظماء وشرفاء و لانستطيع ان نفيهم بأي مدح او وصف

امي ما علينا سوى الدعاء والأنفاق في سبيل الله بكل الطرق الممكنة هيا امي ادخلي لصلاة العصر وايقضي والدي للذهاب للمسجد …وانا سأتم بقية الأعمال هنا والحق بكي للصلاة…

…….

وكانت هذه القصة تحدث تفاصيلها المشابهة في بيوت عدة من ذكريات مباغتة تفرض نفسها رغم سلاح الإيمان الذي تسلحت به حرائر اليمن وصبرهن على فراق احبتهن ناهيكم عن الوجع الصامت لذويهم من رجال الرجال

فالحمد والشكر لله على كل حال عدد رضاء نفسه وزنة عرشه فالشهيد طيف يلوح من حولنا ويعطر الأجواء هو طيف يزورنا ويبتسم لنا ويقول اطمئنوا انا في نعمة جليلة لا تقاس بها كل النعم ..

 

فسلام الله على طيف يزورنا في كل الأوقات ولم ولن ننساه

 

سلام على ارواح الشهداء الأبرار

 

وعلى المجاهدين العظماء

وعلى الجرحى الأبطال طيب الله جرحهم

 

وعلى المآسورين المحتسبين لله…فك الله اسرهم

وتذكروا قوله جل وعلا..(الذين ءامنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وانفسهم أعظم درجة عند الله و أولئك هم الفائزون يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم) صدق الله العظيم وليس ابلغ من قوله اي قول

تم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com