آراء وتقاريرالأخبارشاهد

حماس والتطبيع الصهيوني ضرورة أم إختيار ؟

عبد الوهاب الشرفي 

تقع حماس تحت ضغوط دولية كبيرة للدفع بها باتجاه التطبيع مع الكيان الصهيوني و التخلى عن توجهها المقاوم لوجوده ، و ما يجعل هذه الضغوط ثقيلة جدا عليها هو ان من يمارسها هي دول تعتبر الاقوى علاقة مع الحركة ومن بينها قطر و تركيا التي افصح وزير خارجيتها بان بلاده مارست ضغوطا على الحركة للاعتراف ” باسرائيل ” .

كانت وثيقة ال 1988 هي وثيقة حماس السياسية و التأسيسية وجاءت في ظروف معينة لعل اهمها هي التجربة السياسية للحركة التي كانت في بدايتها و بالتالي فثلاثون عاما من العمل السياسي لابد لها من ان تفرض على الحركة الحاجة لتلافي اي قصور من جهة و الاستجابة للمتغيرات السياسية المحيطة بالقضية الفلسطينية من جهة اخرى .

ابرز ما اقدمت عليه حماس من تغييرات في وثيقتها التي اعلنها رئيس مكتبها السياسي اليوم وقبيل انتقال موقعه لرئيس مكتب سياسي اخر لم يعلن عنه بعد هي ثلاث نقاط والتي لها اثرها على علاقات حماس في مسارات مختلفة و في ضوئها بدرجة رئيسية  وضوء غيرها من التغييرات كذلك يمكن الحكم على طبيعة مافعلته حماس بميثاقها اليوم .

ضلت حماس وحتى قبل اعلان هذه الوثيقة ترفض قيام دولة فلسطينية او على الاقل تتمسك بمفهوم الدولة الفلسطينية على كل تراب فلسطين التاريخية ” من النهر الى البحر ” ، لكنها اليوم ابدت مرونة في التعاطي مع قيام دولة فلسطينية على حدود 67 كماهي في القرار الاممي 242 و التي قبلت به منظمة التحرير الفلسطينية ” فتح ” من قبل .

قبول حماس بقيام دولة في هذه الحدود لايطابق قبول فتح ، فقبول هذه الاخيرة يقوم على ارضية حل الدولتين الفلسطينية و ” الاسرائيلية ” بينما قبول حماس هو قبول بمرحلية قيام الدولة الفلسطينية ، اي انها ازالت عائق عدم القبول بدولة فلسطينية الا على كامل تراب فلسطين التاريخية مع تمسكها بمفهومها للدولة الذي يجب ان لايقف العمل على تحقيقه الا بقيامه على ارض فلسطين التاريخية .

هذه التغيير في موقف حماس تجاه مفهوم اقامة الدولة الفلسطينية يمكن وصفه بالايجابي لسببين الاول لانه سيزيد من التقارب بينها وبين منظمة التحرير في هذه النقطة تحديدا من جهة كما انه يغلق باب تحميل حماس مسئولية اعاقة فتح من السير باتجاه دولة فلسطينية ترتضيها شريحه من الفلسطينيين في حدود ال 67 من جهة ثانية .

موقف مصر تجاه حركة الاخوان المسلمين منذ تولي السيسي لمقاليد الحكم في مصر بعد الاطاحة بمرسي حاد للغاية و كانت حماس تعاني كثيرا نتيجة هذه الحدة كونها صنف نفسها في ميثاقها التأسيسي على حركة الاخوان المسلمين ، وكانت هذه النقطة هي الثانية بين ابرز التغيرات التي اجرتها حماس في وثيقتها الجديدة .

استبدلت حماس توصيفها بانها حركة ممتدة عن حركة الاخوان المسلمين الى توصيف نفسها كحركة مقاومة اسلامية ، ولاشك ان هذا التغيير يراد له التاثير على علاقة دول عربية مهمة بالنسبة لها كمصر و الامارات ، كما يراد له التاثير على تعاطي دول اوروبية تصنف الاخوان كجماعة محظورة مع الحركة .

هدف التاثير على علاقات حماس مع دول عربية و دول اوروبية لها مواقف سلبية من حركة الاخوان المسلمين يبدو واضحا تماما من خلال تصريحات مشعل عند الحديث عن هذه النقطة وان المقصود بها هو انه لاعلاقة تنظيمية مع حركة الاخوان او غيرها خارجيا وان حماس لن تتنصل عن تاريخها كحركة تحمل فكر حركة الاخوان المسلمين ولكنها مستقلة و داخلية تماما في قرارها وفي نشاطها .

طبيعة الصراع هي النقطة الثالثة الابرز في التغيرات التي اعلنت اليوم فقد حُددت بالصهيونية و ليس باليهودية كما كان في ميثاق حماس التأسيسي ، وهذا التحديد هو ايجابي تماما فهو تلافى سلبية تأسيس العداء على اسس عقائدية دينية من جهة كما انه لم يقلص العداء الى ” دولة الكيان الصهيوني ” على ارض فلسطين فقط وانما احتفظت حماس في وثيقتها الجديدة بالعداء مع الصهيونية ككل اي مع الاحتلال و كامل منظومته في اي مكان من العالم دون التورط في العداء للديانة اليهودية ذاتها .

القدس كعاصمة لدولة فلسطين كانت هي احدى النقاط التي جرت عليها تغييرات في الصياغة ومع ان التمسك بها كعاصمة للدولة الفلسطينية لازال هو المنصوص عليه الا ان افراد الاقصى الشريف و المقدسات الاسلامية و المسيحية ببند مستقل فيه قدر من اضعاف الموقف تجاه القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية يسري التاكيد عليها بصفة عامة وليس على اماكن مقدسة فيها فقط .

المقاومة المسلحة ايضا كانت احدى النقاط التي تعرضت لها التغييرات وهي نقطة علاقتها هي في ثلاث  جوانب الاول متعلق بالتكتيك العسكري الذي كان في غالبيته متروكا لجناح حماس المسلح ومستقلا عن الجانب السياسي بقدر كبير  لكنه مع هذه التغييرات سيفقد قدرا كبيرا من استقلاليته هذه كون الوثيقة جعلت التحكم في نوعيته وحجمة مسألة ممكنة تبعا لادارة الصراع مايعني تغليب البعد السياسي على القرار العسكري وهذا الامر لا يمكن اعتباره سلبيا بالمطلق لكنه سيكون سلبي في حالة عدم إجادة الاداء السياسي .

الجانب الاخر هو متعلق بتصنيف الحركة كحركة ارهابية لدى عدد من الدول الغربية  وبالطبع لايتوقع ان تتخلى تلك الدول عن موقفها هذا من حماس دون التخلي عن الكفاح المسلح بالمطلق وبالتالي سيكون هذا التمسك بالكفاح المسلح قاطعت لطريق محاولة الخروج من دائرة التصنيف الغربي لحماس كجماعة ارهابية من جهة كما سيحد كثيرا من فاعلية التخلي عن صفة الارتباط التنضيمي مع حركة الاخوان في فتح قنوات اتصال مع الدول الغربية التي تصنف الاخوان منضمة محظورة من جهة ثانية .

الجانب الثالث وهو الاخطر في مسألة الكفاح المسلح وهو المتعلق بمتطلبات هذا الكفاح ليوجد و ليتطور و يتوسع فهذه المتطلبات تفرض على حماس ان تضل مرتبطة مع ايران في سبيل تغطيتها كون ايران هي  الفرصة الوحيدة المتاحة امامها لذلك ، و بالتالي سيؤثر ذلك على تحديد موقع حماس من الخارطة الاقليمية في المرحلة القادمة بشكل كبير ولن تفلح كل التغييرات السابقة في تحقيق الكثير بالنظر لحدة الفرز فيما يتعلق بالعلاقة مع ايران المتوقعة خلال المرحلة القادمة .

باستثناء التغيير الذي اجري فيما يتعلق بطبيعة الصراع وانها باتجاه الصهيونية وليس باتجاه اليهودية تكون كل التغييرات هي استجابة للمحيط و محاولة امتصاص لانعكاساته السلبية عليها وهذا الامر يجعل التغييرات التي تمت على ” الميثاق الحماسي ” مسألة متعلقة بشكل مباشر بنوعية القيادات الحماسية التي ستتعاطى مع القضية الفلسطينية في المراحل القادمة ، ففي حال ان كانت هذه القيادات صلبة من ناحية التمسك بالمبادئ و تجيد التفاعل السياسي بشكل حرفي فستكون هذه التغييرات ايجابية بالنسبة للحركة و بالنسبة للقضية الفلسطينية ككل ، اما في حالة ان تكون القيادات مناورة و على غير تحديد واضح لخطوط المبادئ الحمراء وغير محترفة سياسيا فستكون هذه التغييرات غاية في السلبية لانها قد تكون اول خطوات حماس في طريق التطبيع وعلى حذو فتح وخصوصا في ضل الضغط الذي يصب عليها من دول تعتبر راعية لها .

في هذه الحالة الاخير ستكون وثيقة المبادئ والسياسات العامة التي اعلنت اليوم والتي اعطت قدرا ولو قليلا من المرونة في المبادئ التأسيسية  لحركة المقاومة الاسلامية حماس وضاعفت من حضور تقديرات القيادات  بداية الطريق على مسار لن ينتهي الا الى مانتهت اليه السلطة الفلسطينية في اوسلو و توقيع مايعرف ب  ” إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الإنتقالي ” الذي وقعه في العام 1993 الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات و رئيس وزراء الكيان الصهيوني شيمون بيريز ، وبذلك تصل حماس لاوسلو ولو دون قصد … ولكن دعونا نأمل ان تكون قياداة حماس القادمة صلبة المبادئ و تحترف الاداء السياسي .

رند الاديمي

ما أمر مواعظ السعداء علي قلوب التعساء ..وما أقسي القوي حين يقف خطيبا بين الضعفاء

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com